لقد قسم المتصوفة التوحيد إلى ثلاثة أقسام وهذه الأقسام الثلاثة وإن اختلفوا في العبارات التي ساقوها بها إلا أنهم يتفقون جميعاً في المضمون الذي يرمون إليه وكلهم متفقون على أن التوحيد الحقيقي الذي يجب أن يحققه الصوفي ليس التوحيد الذي أرسل به الرسل وأنزل به الكتب وهو إفراد الله بالعبادة وحده لا شريك بل يعتبرون هذا التوحيد للعوام فقط أما الخاصة وخاصة الخاصة فليس هذا توحيدهم بل توحيد خاصة الخاصة وهو القول بوحدة الوجود وهذا ليس وصولاً إلى حقيقة التوحيد بل هو وصول إلى قمة الإلحاد الذي لم يسبقوهم إليه أحد من أهل الديانات السماوية المحرفة كاليهودية والنصرانية .
وإلى جانب ذلك فهذه الأقسام التي قسمها المتصوفة للتوحيد تخالف تماما الأقسام التي قسمها أهل السنة والجماعة لتوحيد الله عز وجل استقراءً من النصوص الشرعية .
وأبدأ بذكر نماذج من النصوص التي تثبت انحراف المتصوفة في تقسيم التوحيد .
فمن الأئمة الكبار عند المتصوفة الذين تكلموا عن التوحيد عند الصوفية وقسموه إلى أقسام ثلاثة أبو إسماعيل الهروي فقد تكلم عن التوحيد وقسمه إلى ثلاث أقسام فقال :
والتوحيد على ثلاث أوجه :
الأول : توحيد العامة الذي يصح بالشواهد .
الثاني : توحيد الخاصة وهو الذي يثبت بالحقائق .
والوجه الثالث : توحيد قائم بالقدم وهو توحيد خاصة الخاصة .
فأما التوحيد الأول فهو شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد هذا هو التوحيد الظاهر الجلي الذي نفى الشرك الأعظم وعليه نصبت القبلة وبه وجبت الذمة وبه حقنت الدماء والأموال وانفصلت دار السلام من دار الكفر وصحت به الملة للعامة وإن لم يقوموا بحسن الاستدلال بعد أن سلموا من الشبهة والحيرة والريبة بصدق شهادة صححها قبول القلب .
هذا توحيد العامة الذي يصح بالشواهد والشواهد هي الرسالة .
قال : وأما التوحيد الثاني الذي يثبت بالحقائق فهو توحيد الخاصة وهو إسقاط الأسباب الظاهرة والصعود عن منازلات العقول وعن التعلق بالشواهد وهو أن لا يشهد في التوحيد دليلا ولا في التوكل سبباً ولا في النجاة وسيلة فيكون شاهداً سبق الحق بحكمه وعلمه ووضعه الأشياء موضعها وتعليقه إياها بأحايينها وإخفائه إياها في رسومها ويحقق معرفة العلل ويسلك سبيل إسقاط الحدث هذا توحيد الخاصة .......
ثم قال : وأما التوحيد الثالث فهو توحيد اختصه الحق لنفسه واستحقه وألاح منه لا ئحا إلى أسرار طائفة من صفوته وأخرسهم عن نعته وأعجزهم عن بثه والذي يشار به إليه على ألسن المشيرين أنه إسقاط الحدث وإثبات القدم على أن هذا الرمز في ذلك التوحيد علة لا يصح ذلك التوحيد إلا بإسقاطها .
ثم قال : هذا قطب الإشارة إليه على ألسن علماء أهل هذا الطريق وإن زخرفوا له نعوتاً وفصولها تفصيلاً فإن ذلك التوحيد تزيده العبارة خفاء والصفة نوراً والبسط صعوبة وإلى هذا التوحيد شخص أهل الرياضة وأرباب الأحوال وإليه قصد أهل التعظيم وإياه عني المتكلمون في عين الجمع وعليه تصطلم الإشارات ثم لم ينطق عنه لسان ولم تشر إليه عبارة فإن التوحيد وراء ما يشير إليه سكون أو يتعاطاه حين أو يقلبه سبب ) " منازل السائرين (ص47)".
ثم قال : وقد أجبت في سالف الدهر سائلاً عن توحيد الصوفية بهذه القوافي الثلاث :
ما وحد الواحد من واحد *** إذ كل من وحده جاحد
توحيد من ينطق عن نعته *** عارية أبطلها الواحد
توحيده إياه توحيده *** ونعته من ينعته لا حد
من خلال هذه العبارات التي نقلتها عن أئمة المتصوفة يتضح لنا بأن المتصوفة أعرضوا عن الأقسام التي قسمها أهل السنة والجماعة للتوحيد عن طريق الاستقراء لنصوص الكتاب والسنة وأتوا بتقسيمات جديدة من عند أنفسهم للتوحيد ما أنزل الله بها من سلطان لأن هذه الأقسام الثلاثة التي للتوحيد لم نجدها لا في كتاب الله ولا في سنة رسول الله محمد بل هي تقسيمات أتوا بها من عند أنفسهم متبعين أهواءهم الضالة وآراءهم الفاسدة ولو رجعوا إلى كتاب الله وسنة رسوله محمد وفهموا معناهما لوصلوا إلى حقيقة التوحيد وأقسامه الصحيحة والذي يتلخص بأنه
هو إفراد الله في ألوهيته وربوبيته وأسمائه وصفاته ولما وقعوا في هذه المتاهات والخرافات والضلالات التي أوقعتهم في مزالق خطيرة وقعوا بسببها في كلام واعتقاد خطير جداً يؤدي بصاحبه إلى الهلاك الأبدي إن لم يتب منه ألا وهو اعتبارهم التوحيد الذي جاءت به الرسل وأنزلت به الكتب بأنه خاص بالعوام الذين لا يدركون حقائق الأمور فقط أما الخواص الذين يدركون الحقائق فإنه بالنسبة لهم يعتبر شركا وهذا كلام خطير جداً فإن هذا التوحيد الذي يصفونه بهذه الأوصاف هو التوحيد الذي أنزل الله الكتب وأرسل الرسل من أجله فكيف تجرءوا على أن يصرحوا قائلين إنه توحيد الحقائق هو هذا التوحيد الذي أرسل الله به الرسل وأنزل به الكتب وهو إفراد الله في ألوهيته وربوبيته وأسمائه وصفاته .
أما التوحيد الذي يدعيه دجاجلة المتصوفة فليس بتوحيد إنما هو إلحاد وخرافة وزندقة وبهتان وكذب وافتراء على الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب مبين .
والتقسيمات التي نعرفها عن أهل السنة والجماعة من خلال استقرائنا لنصوص الكتاب والسنة هي أقسام ثلاثة فقط وهي كلها تختلف مع هذه التقسيمات التي ذكرها المتصوفة للتوحيد :
فالقسم الأول : هو توحيد الألوهية .
والقسم الثاني : وهو توحيد الربوبية .
والقسم الثالث : هو توحيد الأسماء والصفات .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية متحدثاً عن تقسيمات المتصوفة هذه للتوحيد وقد تكلم عن كل الأقسام الثلاثة ونقضها ولكني أريد أن أورد كلامه عن القسم الثالث فقط لأنه الأشد مخالفة وزوراً .
قال رحمه الله :
( وأما التوحيد الثالث فهو توحيد أختصه الحق لنفسه واستحقه بقدره ..... إلى آخر كلامه . فهؤلاء هم الذين أنكر عليهم أئمة الطريق الجنيد وغيره حيث لم يفرقوا بين القديم والمحدث وحقيقة قول هؤلاء الاتحاد والحلول الخاص من جنس قول النصارى في المسيح وهو أن يكون الموحد هو الموحد ولا يوحد إلا الله وكل من جعل غير الله يوحد الله فهو جاحد عندهم كما قال :
ما وحد الواحد [ أي من واحد غيره ] إذ كل من وحده جاحد .
فإنه على قولهم هو الموحد والموحد ولهذا قال :
توحيد من ينطق عن نعته **** عارية أبطالها الواحد
يعني إذا تكلم العبد بالتوحيد وهو يرى أنه المتكلم فإنما ينطق عن نعت نفسه فيستعير ما ليس له فيتكلم به وهذه عارية أبطلها الواحد ولكن إذا فني عن شهود نفسه وكان الحق هو الناطق بنعت نفسه لا بنعت العبد ريكون هو الموحد وهو الموحد ولهذا قال توحيده إياه توحيده .
أي توحيد الحق إياه أي نفسه هو توحيده هو لا توحيد المخلوقين له )
فإن لا يوحده عندهم مخلوق بمعنى أنه هو الناطق بالتوحيد على لسان خاصة ليس الناطق هو المخلوق كما يقول النصارى في المسيح أن اللاهوت تكلم بلسان الناسوت .
وحقيقة الأمر أن كل من تكلم بالتوحيد أو تصوره وهو يشهد غير الله فليس بموحد عندهم وإذا غاب وفنى عن نفسه بالكلية فتم له مقام توحيد الفناء الذي يجذبه إلى توحيد أرباب الجميع صار الحق الناطق المتكلم بالتوحيد وكان هو المحود وهو الموحد لا موحد غيره .
وحقيقة هذا القول لا يكون إلا بأن يصير الرب والعبد شيئاً واحداً وهو الاتحاد فيتحد اللاهوت والناسوت كما يقول النصارى إن المتكلم بما كان يسمع من المسيح هو الله وعندهم إن الذين سمعوا منه هم رسل الله وهم عندهم أفضل من إبراهيم وموسى ولهذا تكلم بلفظ اللاهوت والناسوت طائفة من الشيوخ الذين وقعوا في الاتحاد والحلول مطلقاً ومعيناً فكانوا ينشدون قصيدة ابن الفارض ويتحلون بما فيها من تحقيق الاتحاد العام ويرون كل ما في الوجود هو مجلي ومظهر فيه عين الحق .
ثم قال شيخ الإسلام ناقداً لقول المتصوفة في نص السابق في وصفهم للقسم الثالث من أقسام التوحيد :
( وألاح منه لا ئحاً إلى أسرار طائفة من صفوته وأخرسهم عن نعته وأعجزهم عن بثه قال أفضل صفوته هم الأنبياء وأفضلهم الرسل أولو العزم وأفضل أولو العزم محمد وما ألاحه الله على أسرار هؤلاء فهو أكمل توحيد عرفه العباد وهم قد تكلموا بالتوحيد ونعتوه وبثوه وما يقدر احد قط أن ينقل عن نبي من الأنبياء ولا وارث نبي انه يدعي أنه يعلم توحيداً لا يمكنه النطق به بل كل ما علمه القلب أمكن التعبير عنه لكن قد لا يفهمه إلا بعض الناس .
فأما أن يقال : إن محمد عاجز عن أن يبين ما عرفه الله من توحيده فهذا ليس كذلك ...... ثم قال شيخ الإسلام في شرحه لقول المتصوفة في النص السابق وبالتحديد في القسم الثالث من اقسام التوحيد عندهم :
( والذي يشار إليه على ألسن المشيرين أنه إسقاط الحدث وإثبات القدم يقال مرادهم بهذا نفي المحدث أي ليس هنا إلا القديم وهذا على وجهين فإن أريد به نفى المحدث بالكلية وأن العبد هو القديم فهذا شر من قول النصارى فإن اليعقوبية يقولون : إن اللاهوت والناسوت امتزجا واختلطا فصارا جوهراً واحداً وأقنوماً واحداً وطبيعة واحدة ..... فقول القائل : إسقاط الحدوث إن أراد به أن المحدث عدم فهذا مكابرة وإن أراد به إسقاط المحدث من قلب العبد وأنه لم يبق في قلبه إلا القديم فهذا إن أريد به ذات القديم فهو قول النسطورية من النصارى وإن أريد به معرفته والإيمان به وتوحيده أو قيل مثله أو المثل العلمي أو نوره أو نحو ذلك فهذا المعنى صحيح فإن قلوب أهل التوحيد مملوءة بهذا لكن ليس في قلوبهم ذات الرب القديم وصفاته القائمة به وأما أهل الاتحاد العام فيقولون : ما في الوجود إلا الوجود القديم وهذا قول الجهمية ) . " منهاج السنة (5/370_183)".
والخلاصة التي توصلنا إليها من خلال دراستنا لموقف المتصوفة من التوحيد الذي أرسل الله به الرسل وأنزل الكتب من أجله :
هي أن موقفهم من التوحيد مواقف مخالفة ومضادة لما عليه أصل الشرع من الكتاب والسنة وأيضاً خالفوا بهذا التقسيم والإحداث أسلافهم فما قال الجنيد ولا سهل ولا القشيرى ولا الجوينى ولا البيهقى وأغلب من صنفوا ودونوا بقولهم هذا بل نابذوا من قال بهذا القول العداء كما فعلوا مع الحلاج وابن الرواندى وسائر أبالسة الفلاسفة وأعقابهم ابن الفارض وابن عربى لأن ما قالوه مخالف لما جاء في الكتاب والسنة عن توحيد الله سبحانه وتعالى .
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية لما سئل عن الحلاج وهل هو من الصوفية ؟ :
وقد ذكر الشيخ أبو عبد الرحمن السلمي في طبقات الصوفية، أن أكثر المشايخ أخرجوه عن الطريق، ولم يذكره أبو القاسم القشيري في رسالته من المشايخ الذين عدهم من مشايخ الطريق. وما نعلم أحدًا من أئمة المسلمين ذكر الحلاج بخير، لا من العلماء ولا من المشايخ، ولكن بعض الناس يقف فيه؛ لأنه لم يعرف أمره، وأبلغ من يحسن به الظن يقول: إنه وجب قتله في الظاهر، فالقاتل مجاهد والمقتول شهيد، وهذا أيضا خطأ. وقول القائل: إنه قتل ظلمًا، قول باطل، فإن وجوب قتله على ما أظهره من الإلحاد أمر واجب باتفاق المسلمين، لكن لما كان يظهر الإسلام ويبطن الإلحاد إلى أصحابه، صار زنديقًا، فلما أخذ وحبس أظهر التوبة، والفقهاء متنازعون في قبول توبة الزنديق، فأكثرهم لا يقبلها، وهو مذهب مالك وأهل المدينة، ومذهب أحمد في أشهر الروايتين عنه، وهو أحد القولين في مذهب أبي حنيفة، ووجه في مذهب الشافعي، والقول الآخر تقبل توبته. وقد اتفقوا على أنه إذا قتل مثل هذا لا يقال: قتل ظلمًا. وأما قول القائل: إن الحلاج من أولياء الله، فالمتكلم بهذا جاهل قطعا، متكلم بما لا يعلم، لو لم يظهر من الحلاج أقوال أهل الإلحاد، فإن ولي الله من مات على ولاية الله، يحبه ويرضي عنه، والشهادة بهذا لغير من شهد له النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة، لا تجوز عند كثير من العلماء أو أكثرهم. وذهبت طائفة من السلف ـ كابن الحنفية، وعلى بن المديني ـ: إلى أنه لا يشهد بذلك لغير النبي صلى الله عليه وسلم. وقال بعضهم: بل من استفاض في المسلمين الثناء عليه شهد له بذلك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم مرَّ عليه بجنازة فأثنوا خيرًا، فقال: (وجبت وجبت)، ومر عليه بجنازة فأثنوا عليها شرًا فقال: (وجبت وجبت). قال: (هذه الجنازة أثنيتم عليها خيرًا فقلت: وجبت لها الجنة، وهذه الجنازة أثنيتم عليها شرًا فقلت: وجبت لها النار، أنتم شهداء الله في الأرض). فإذا جوز أن يشهد لبعض الناس أنه ولي الله في الباطن، إما بنص وإما بشهادة الأمة ـ فالحلاج ليس من هؤلاء، فجمهور الأمة يطعن عليه ويجعله من أهل الإلحاد ـ إن قدر على أنه يطلع على بعض الناس أنه ولي الله، ونحو ذلك مما يختص به بعض أهل الصلاح. فهذا الذي أثنى على الحلاج ووافقه على اعتقاده ضال من وجوه: أحدها: أنه لا يعرف فيمن قتل بسيف الشرع على الزندقة أنه قتل ظلمًا وكان وليا لله، فقد قتل الجهم بن صفوان، والجعد بن درهم، وغيلان القدري، ومحمد بن سعيد المصلوب، وبشار بن برد الأعمى، والسهروردي، وأمثال هؤلاء كثير، ولم يقل أهل العلم والدين في هؤلاء أنهم قتلوا ظلمًا، وأنهم كانوا من أولياء الله، فما بال الحلاج تفرد عن هؤلاء. وأما الأنبياء فقتلهم الكفار، وكذلك الصحابة الذين استشهدوا قتلهم الكفار، وعثمان، وعلى، والحسين ونحوهم قتلهم الخوارج البغاة، لم يقتلوا بحكم الشرع على مذاهب فقهاء أئمة الدين، كمالك والشافعي وأبي حنيفة وأحمد وغيرهم. فإن الأئمة متفقون على تحريم دماء هؤلاء، وهم متفقون على دم الحلاج وأمثاله. الوجه الثاني: أن الاطلاع على أولياء الله لا يكون إلا ممن يعرف طريق الولاية، وهو الإيمان والتقوى. ومن أعظم الإيمان والتقوى أن يجتنب مقالة أهل الإلحاد ـ كأهل الحلول والاتحاد ـ فمن وافق الحلاج على مثل هذه المقالة، لم يكن عارفًا بالإيمان والتقوى، فلا يكون عارفًا بطريق أولياء الله، فلا يجوز أن يميز بين أولياء الله وغيرهم. الثالث: أن هذا القائل قد أخبر أنه يوافقه على مقالته، فيكون من جنسه، فشهادته له بالولاية شهادة لنفسه، كشهادة اليهود والنصارى والرافضة لأنفسهم على أنهم على الحق، وشهادة المرء لنفسه فيما لا يعلم فيه كذبه ولا صدقه مردودة، فكيف يكون لنفسه ولطائفته الذين ثبت بالكتاب والسنة والإجماع أنهم أهل ضلال؟ الرابع: أن يقال: أما كون الحلاج عند الموت تاب فيما بينه وبين الله أو لم يتب، فهذا غيب يعلمه الله منه، وأما كونه إنما كان يتكلم بهذا عند الاصطلام فليس كذلك، بل كان يصنف الكتب ويقوله وهو حاضر ويقظان. وقد تقدم أن غيبة العقل تكون عذرًا في رفع القلم، وكذلك الشبهة التي ترفع معها قيام الحجة، قد تكون عذرًا في الظاهر. فهذا لو فرض، لم يجز أن يقال:قتل ظلما، ولا يقال: إنه موافق له على اعتقاده، ولا يشهد بما لا يعلم، فكيف إذا كان الأمر بخلاف ذلك وغاية المسلم المؤمن إذا عذر الحلاج أن يدعى فيه الاصطلام والشبهة. وأما أن يوافقه على ما قتل عليه فهذا حال أهل الزندقة والإلحاد، وكذلك من لم يجوز قتل مثله فهو مارق من دين الإسلام. ونحن إنما علىنا أن نعرف التوحيد الذي أمرنا به، ونعرف طريق الله الذي أمرنا به، وقد علمنا بكليهما أن ما قاله الحلاج باطل، وأنه يجب قتل مثله، وأما نفس الشخص المعين، هل كان في الباطن له أمر يغفر الله له به من توبة أو غيرها؟ فهذا أمر إلى الله، ولا حاجة لأحد إلى العلم بحقيقة ذلك، والله أعلم.
(( مجموع الفتاوى ))
ويتلخص هذا فى :
أولاً : يعتقد بعض المتصوفة بأنه لا يجوز التعبير عن التوحيد ومن عبر عنه فقد كفر وألحد لأنه شيء غامض غير متصور وقد بينا مخالفة هذا المعتقد لما جاء في الكتاب والسنة من التعبير عن التوحيد بشتى الصور .
ثانياً : يعتقد بعض المتصوفة بأن التوحيد الذي جاء في الكتاب والسنة ليس بتوحيد صحيح بل هو عين التعدد والشرك وأن الموحد الصحيح هو الذي يصل إلى مرحلة يحل فيه الله فيقول : أنا الله [ حسب زعمهم ].
ثالثاً : يعتقد بعض المتصوفة بأن هذا التوحيد الذي أرسل الله به الرسل وأنزل الكتب من أجله إنما هو توحيد خاص بالعوام فقط أما الخواص وخواص الخواص فتوحيدهم غير هذا تماماً حيث أن الوقوف عند التوحيد الذي جاء في الكتاب والسنة يعتبر عندهم شركاً .
ونفهم من ذلك :
أن الصوفية يقفون من التوحيد الذي أمر الله به موقفاً معاديا ويا ليت المتصوفة يقفون عند هذا الحد بل ذهبوا بعد إن نفروا الناس عن التوحيد الصحيح إلى ابتداع عقائد إلحادية وسموها التوحيد الحقيقي الذي ينبغي أن يصل إليه الإنسان .
وهذا بيان لإنقسام الصوفية والأشاعرة على العموم إلى قسمين متباينين أشد البيان .
فى أصل الشريعة وجميع الشرائع وهو التوحيد .
وهذا يلفت نظرنا لأهمية الدور الذى قام به شيخ الإسلام الإمام : محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى , وإدراكه للمنحنى الرهيب الذى يريد القبوريون والمتصوفة إدخال الأمة فيه, يريدون إدخال الأمة فى كهف سامرائى مظلم لن تستطيع الأمة الخروج منه إلا بإزالة جميع معالم الوثنية والشرك وكما بدأها معلمنا الأول وإمام الأمة فأزال الشرك من القلوب فأزالوه من على جميع الأرض ولله الحمد والمنه .
ويحدثنا الشيخ ممدوح الحربى حفظه الله تعالى فى رائعته " دمـوع وعـبرات تسكب على التوحيد " فيقول :
إن الحمد لله نحمده و نستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له.. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له.. وأشهد أن محمدا ً عبده ورسوله.. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} سورة آل عمران (102).. {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} سورة النساء
وأسأل الله عز وجل أن يتقبل منا أعمالنا وأقوالنا وأن يحسن لنا الختام على الإيمان والتوحيد والسنة إنه على كل شيء قدير ..
إخواني في الله .. قرأتم عنوان هذه المحاضرة والذي هو: " دموع وعبرات تسكب على التوحيد " ولقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم حريصاً على قطع مادة الشرك وسدِّ ذرائعه ولهذا نهى عن رفع القبور والبناء عليها والصلاة عندها واتخاذها عيداً وإيقاد السرج عليها ونحو ذلك من الأمور التي تؤدي إلى تعظيم أصاحبها من المقبورين والغلو فيهم .. فقد روى البخاري ومسلم عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أنها قالت : لما نزل برسول الله صلى الله عليه وسلم - يعني الموت - طفق يطرح خميصة ً على وجهه فإذا اغتم - صلوات ربي وسلامه عليه - كشفها عن وجهه الشريف فقال وهو كذلك : " لعن الله اليهود و النصارى اتخذوا قبور أنبياءهم مساجد " يحذر ما صنعوا صلى الله عليه وسلم وقالت عائشة رضي الله عنها أيضاً : لما مرض النبي صلى الله عليه وسلم تذاكر بعض نسائه كنيسة ً بأرض الحبشة يقال لها ماريه لقد كانت أم سلمه وأم حبيبه رضي الله عنهما أجمعين قد أتتا أرض الحبشة فذكرن من حسنها وتصاويرها فقالت فرفع النبي صلى الله عليه وآله وسلم رأسه الشريف فقال أولئك قوم إذا مات فيهم الرجل بنوا على قبره مسجدا ً ثم صوروا تلك الصور أولئك شرار الخلق عند الله يوم القيامة " رواه البخاري ومسلم …
إنها وصية إخواني في الله مخلصا ً يودع بها الحبيب الخليل صلى الله عليه وسلم أصحابه ليلحق بالرفيق الأعلى فعلى رغم ثقل المرض وشدة الألم إلا أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم يعيدها المرة بعد الأخرى رحمة بأمته وشفقة عليها وخوفا ً عليها من الزيغ والانحراف والوقوع في ظلمات الشرك والتلطخ بأوحال الوثنية والضياع في سراديب التيه والتعلق بالمخلوق الذي لا ينفع ولا يضر.. بل من شدة عنايته صلى الله عليه وآله وسلم على جناب التوحيد من أن يخدش بعوامل الشرك ومؤثرات الوثنية لم يكتفي بسماع بعض أـصحابه رضوان الله عليهم بل حرص على بيانه لجميع أصحابه الأطهار الأبرار رضوان الله عليهم.. فعن أسامه ابن زيد رضي الله عنهما قال:" أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال في مرضه الذي مات فيه: أدخلوا علي أصحابي ، فدخلوا عليه وهو متقنع ببرده - فداه أبي وأمي- فكشف صلى الله عليه وسلم القناع عن وجهه فقال: ( لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبياءهم مساجد ).. إنها اللحظات الأخيرة من حياة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم وكل همه الأكبر هو إيضاح التوحيد بشكل جلي لا خفاء فيه ولا غموض.. إنه التحذير من الشرك و البدع والتحذير من الغلو والزيغ.. فإن الله عز وجل أمر عباده المؤمنين بالتوحيد الخالص من كل شائبة من شوائب الشرك والبدعة.. قال تعالى: { وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ } (5) سورة البينة ، وقال تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (162) سورة الأنعام
إخواني في الله: إنه التوحيد الذي هو أعظم حق لله تعالى فما من نبي ولا رسول كريم إلا وجاء بالبيان والإيضاح لهذا الأصل العظيم قال تعالى وهو يناجي حبيبه وخليله صلى الله عليه وآله وسلم محمد بن عبد الله: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} (25) سورة الأنبياء .. ولهذا كانت حياة النبي صلى الله عليه وآله وسلم حياة حافلة مليئة ببيان التوحيد والتحذير من الشرك والبراءة من أهله بل كان يعلم أصحابه حدوده وقواعده ، فهاهو صلى الله عليه وسلم يقول لمعاذ بن جبل رضي الله عنه :" هل تدري ما حق الله على عباده وما حق العباد على الله " فقال معاذ: الله ورسوله أعلم؟. فقال صلى الله عليه وآله وسلم:" فإن حق الله على عباده أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا ً وحق العباد على الله أن لا يعذب من لا يشرك به شيئا ً " رواه البخاري ومسلم ، بل كان رسول الله عليه وآله وسلم يرسل أصحابه رضوان الله عليهم لهدم معاقل الوثنية وصروح الشرك والإلحاد .. فعن أبي الهياج ألأسدي قال: قال لي علي بن أبي طالب رضي الله عنه: ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ ألا تدع تمثالا ً إلا طمسته ولا قبرا ً مشرفا ً إلا سويته " رواه مسلم ، ولقد كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم شديد التوقي والتحري لحماية جناب التوحيد حتى في أدق المسائل .. فعندما جاءه رجل فقال له: ما شاء الله وشئت ، قال له الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: " أجعلتني لله عدلا ً.. لا بل ما شاء الله وحده " رواه أحمد والبخاري ، وكان صلى الله عليه وآله وسلم دائم التضرع إلى ربه ومولاه ألا يُِِِتخذ قبره وثنا ً يعبد مع الله تعالى حيث قال صلى الله عليه وآله وسلم: " اللهم لا تجعل قبري وثنا ًيعبد لعن الله قوما ً اتخذوا قبور أنبياءهم مساجد " رواه الإمام أحمد والحديث صحيح ، وقد سار الصحابة رضوان الله عليهم بعد النبي صلى الله عليه وآله على منهاجه وطريقته الشريفة في التحذير من الشرك وذرائعه فلم يكن على عهد الصحابة ولا التابعين ولا تابعيهم من هذه القبور.. والأضرحة المعظمة في زماننا شيء لا في الحجاز ولا اليمن ولا الشام ولا العراق ولا مصر ولا خُرَاسَان ولا المغرب ولم يكن قد أحدث مشهدا ً لا على قبر نبيا ً ولا صاحب ولا أحد من أهل البيت ولا على ولي ولا صالح.. ثم ماذا حدث بعد ذلك ؟! بدأ الانتقال من النور إلى الظلام.. ظلام العبودية لغير الله تعالى إلى عبودية المخلوق للمخلوق وسراب الغلو في الأشخاص وتقديس المشاهد والقباب والقبور فحدث الانحراف العقدي والتمزق النفسي والشذوذ الفكري الذي أخذ ينخر في جسد الأمة فعشعش في عقول كثير من أبناءها وتربع على قلوبهم حتى فرّخ وثنية سافرة بغيضة أعني بذلك إخواني في الله داء تقديس القبور والأضرحة والمزارات فظهرت بدعة منحرفة ضالة وهي بدعة التشيع التي كانت بداية الشرك والوثنية و الإلحاد.. فالشيعة هم أول من بنى المشاهد على القبور حيث تتبعوا قبور من مات قديما ً ممن يعظمونهم من آل البيت وراحوا يبنون على قبورهم ويجعلونها مشاهد ومزارات ثم قامت الزنادقة منهم ببناء المشاهد والـأضرحة على قبور الأولياء والأئمة فتعطلت المساجد ووضعوا في زيارة المشاهد والقباب وتعظيمها والدعاء عندها من الأكاذيب والبهتان ما الله به عليم... حتى صنف كبار شيوخهم كتبا ً في مناسك حج القبور والمشاهد وكذبوا فيها على رسولنا صلى الله عليه وسلم وأهل بيته الطيبين الطاهرين أكاذيب بدلوا بها دينه وشريعته وغيروا بها ملة أبينا إبراهيم عليه السلام وابتدعوا الشرك المنافي للتوحيد فصاروا جامعين بين الشرك والوثنية والكذب معا ً فإن المتتبع لأحوال القبور يين يلحظ بوضوح انتشار الشرك بينهم بجميع أنواعه وصوره ودرجاته شرك في الربوبية وشرك في الألوهية وشرك في الأسماء والصفات كما أن ظاهرة العكوف على القبور اليوم والتي هي من أكثر البدع الشركية شيوعا ً بين المسلمين قد أصبحت منظرا ً مألوفا ً حتى أنك أخي في الله لا تكاد تسمع صوت المصلحين وهي تختنق في غمرة ضجيج العاكفين على القبور والأضرحة إنها غفلة الصالحين وسكوت الدعاة الناصحين أقول إخواني في الله إنها شبكة واسعة من القبور والأضرحة المقدسة ولكي ندرك إخواني في الله حجم المأساة نورد بعض النماذج التي توضح حجم انتشار هذه الأضرحة في بعض بقاع العالم الإسلامي وإلى أول الدول …
المهتــــدین
Mohtadeen.Com |